الاباحية ستخلق جيل غير مبالي |
عالم الإباحيات المعاصر هو قوة ينبغي أخذها بالحسبان: استهلاك المواد الإباحية لم يكن يوماً في عمر الإنترنت أعلى الأمر الذي هو اليوم، مع محتوى أكثر تصويرية وأكثر عنفاً من قبل. تجتذب المواد الإباحية ما يقترب من الأربعين مليون مستخدم كل يومً، سبعون بالمئة منهم من الذكور والباقي من الإناث، بما مجموعه يقترب من الأربعين بالمئة من الحركة المرورعلى الإنترنت. وبحسب إحصاء صادر عن شركة وايترسبون سنة 2010 تحت عنوان “الكلفة الاجتماعية للإباحية”: تصريح النتائج والتوصيات، 66 بالمئة من الرجال بين الثامنة عشرة والرابعة والثلاثين يزورون مواقع إباحية كل شهرً، ويُقَدَّر أن ما بين أربعين وخمسين بالمئة من زائري المواقع الإباحية العاديين لا بدّ وأن تبدو عليهم إشارات الإدمان الجنسي.
الرجال يرون الإباحيات أكثر من السيدات: يتضح من مسح جرى في 2007 على عينة من طلبة الكليات في الولايات المتحدة أن سبعين بالمئة من الإناث لم يشاهدن أي إصدار إباحي، في حين عدد الذكور الذين لم يشاهدوا شيئاً لا يتعدى الأربعة عشرة بالمئة. وعليه فإن تصنيع الإباحيات كبيرة جدا: 4 مليارات يتمّ صرفها مرة كل عامً على أفلام المقطع المرئي الإباحية، وهو مِقدار يزيد سيطرّا يُصرَف على ألعاب رياضة كرة القدم والبايسبول وكرة السلة مجتمعة. بكلام طفيف: إن حضارتنا فائقة الجنسانية (oversexed) لقد أصبحت قابلة للإباحية على ما توميء الكاتبة باميلا بول في 2005. ما معنى ذلك ولمَ علينا أن نهتم؟
فضلا على ذلك كثافة الحجج الدينية مقابل الإباحية، يُلحَظ في التبادل ازدياداً للأصوات العلمانية التي توجّه الآراء الناقدة إلى التحطيم الذي تسببه الإباحية للعلاقات بين الناس. كتبت نعومي وولف المدافعة عن حقوق المرأة: “في أكثرية الزمان الماضي البشري، كانت الصور الشهوانية انعكاسات أو احتفالات أو خيارات لنساء عاريات. لأول مرة في الزمان الماضي، حلّت موضع قوة الصور وجاذبيتها سيدات حقيقيات عاريات، ما هنّ سوى إباحية سيئة”. بالواقع يمكن الجزم بأن الإباحية هي معضلة وفقاً إلى حجج لا ترضي الأخلاق وحسب بل ايضاًً البيولوجيا الرئيسية للإنسان.
الإباحية التي يطلقون عليها اليوم اسم “المخدر الحديث” هي إلى حاجز هائل مسألة جسدية متجذرة في التعقيد البيولوجي لبنيتنا الجنسية، وفق مرتفعِم الأعصاب ويليام ستراذرز في كتابه الصادر عام 2009 “ناشط للحميمية: كيف تخطف الإباحية ذهن الذكر”. الإباحية تضحّي بالعلاقات مع السيدات الحقيقيات بهدف جاذبية صورة امرأة على شاشة أو نمط متشابه لما يسمّيه ستراذرز “استهلاك السمّ الجنسي الذي يصبح جزءاً من نسيج الذهن”. تتفاقم تلك التأثيرات حين تستجيب البنية العصبية المخصصة بالذكور إلى تشييء جسم المرأة المتفشي في الإباحية.
من إتجاه البصر البيولوجية، العروض الإباحية تحول على نحو أساسي أسلوب نظر دماغنا إلى الآخرين: فالدماغ يلتقط العلامات ذات الصلة الجنسية التي تنشّط التهييج مع سلسلة من الأحداث التي تملأّق المجريات العصبية لتشكيل العادة. في جميع مرة يتكرر فيها نموذج جنسي غير صحي يتآكل ذلك المجرى عصبياً وعاطفياً حتى يتحوّل إلى حوض. فعندما يستعمل الذكر البالغ الإباحية يبدأ بالإعداد لتكوين عادة عصبية تولّد ترابطاً قوياً بين الصور والإثارة والإطلاق الجنسي. وإذ يتكرر تنشيطها سوياً، فإن تلك الكوكبة من المحفزات البيئية تقوّي ذلك الثلم العصبي الذي يجعل الإباحية ممتعة بالمعنى البيولوجي.
من ثمّ يولّد دماغ الذَكَر على نحو متنامي هرمون التستوستيرون لأجل أن يضاعف الرغبة الجنسية. إذا كانت بصيرة الإجراءات الإباحية تتكرر فيمكن أن يُنظَر إلى الرأس على أنه في وضعية مستدامة من التأهب لشرح أي شيء على أنه محفّز للتخيّل الجنسي (سواء كان عملاً إباحياً أو بنت ازدادت تنورتها على مقاعد الصف). يترتّب على تلك النتائج العصبية الحيوية تكليفات عظيمة على نحو مدهش وخصوصاً نحو الرجال بما فيها: انجذاب أدنى من الإناث إلى الذكور الذين يستخدمون الإباحية، عدم جدارة جنسية وعدم رضا في الحياة الفعلية، صعود نسبة الإحباط، قلة حساسية على القساوة، والتعوّد المتنامي على أنواع متشددة وغير معتدلة من الإباحية.
شاهد هذه المحاضرة للدكتور عدنان ابراهيم الاكثر من رائعة
يجب عليك مشاهدة محاضرة الإباحية فخ إبليس الأشرس
تلك الأكلاف تتضمّن الموضوع الأوسع وهو أن الإباحية تعرقل تكوّن الذكورة والهوية الجنسية الصحية عند البالغين من الذكور الذين هم المستمعلين الأكثر تأثراً بالمواد الإباحية. تلك المخاطر تتضخّم نحو إضافة التشوّش الثقافي بخصوص المعنى الفعلي للرجولة كما عدم الحضور المقلِق للنماذج الذكورية عن طريق البنى الأسرية المقطّعة والعزلة الاجتماعية الجديدة الناتجة عن التقنية. كل تلك الموضوعات تترك الذكر البالغ وحيداً على نحو رئيسي في محاولته أن يكوّن نموذجاً عن الذكورة الأصيلة. ينمو ذلك الحس الذكوري على نحو مثالي من الآباء والصور الأبوية. لكنه يتعرّض للتعطيل بلا تحديات مكررة وبنّاءة، وبذلك هناك خطر في أن يتحوّل في أفضل الظروف إلى الفتور وفي أسوئها إلى إفساد الشكل. الشكل الأكثر خبثاً لتلك الذكورة المشوّهة يجيء في إغراء الإباحيات، التي يقول ستاثرز بأنها “ترهن العالم الذهني الرجل” وتعيقه من بلوغ أفضل ما يستطيع أن يكون عليه كرجل. بالنتيجة، لدينا اليوم تطورٌ أجيالي متوقف نحو ذكور شباب لا يتخطّون عاطفياً المراحل الصبيانية.
إلى ذلك، وبشكل متواصل، قامت ثقافتنا بمضاءلة منحى مهم من الرجولة، وهو عوز الرجل إلى الإلفة، بإساءة تفسيرها على أنها أنثوية. علينا أن نتفحّص ذلك الوجه العشية فهمه من التركيبة الذكورية وفقاً إلى الأنثروبولوجيا العلائقية، لمعرفة طريقة مشاركته في كيفية تتواصل الشباب بعضهم ببعضز فهذا الاتصال يشارك في تشكيل معنى الهوية الذكورية المخصص بهم والذي به يقدّمون أنفسهم للعالم.
أريك أريكسون، عالم نفس تنموي من القرن العشرين معلوم بنظريته بشأن النمو النفس-اجتماعي، في عمل عنوانه “شبان وأزمة” سنة 1968، قدّم بنيةً نافعة لبحث المراهق عن الهوية. فيقول أريكسون أن المراهقين في بحثهم عن الإحساس بالاستمرارية عليهم تثبيت أصنام ومُثُل مستدامة كأوصياء على هوية ختامية. للتغلب على عدم التأكد في تلك الفترة يبحث المراهقون عن رجال وأفكار ليؤمنوا بها، ما يقصد رجالاً وأفكاراً تستحق أن يثبت المرء ذاته مستحقاً للثقة في خدمتها. وبالتالي فإن نظرية الشخصية نحو أريكسون تطرح أن المشاحنة الرئيسي الذي يجابه المراهق هو الالتباس بين الهوية والدور. بالحقيقة، النمو الناجح للهوية في المراهَقَة يهيء للمعركة المصيرية الآتية في فترة الشبان بين الإلفة والعزلة.
إن لم يُقَدَّم للمراهق أمثلة ملفتة للانتباه عن الهوية الإيجابية فخيار الهوية السلبية يصير جذاباً. يؤكّد أريكسون أن هوية السلبية تقوم على نحو معاكس على كل التماثلات والأدوار التي، في مدد حساسة من النمو، تمّ تقديمها على أنها غير مرغوب بها أو خطرة ولكن الأكثر حقيقية.
أؤمن أن مفهوم الهوية السلبية ذلك يشمل الهوية المكتَسَبة بواسطة خبرة بصيرة الإباحيات، إذ إن كل دخول إلى عالم الإباحية يضيف إلى تدعيم، في دماغ الذكر، فكرة أن ذلك هو العالم الحقيقي وأن السيدات في تلك الصور وتلك الأفلام هنّ سيدات حقيقيات. الشعور العابر بالجِدّة والهيمنة أثناء تلك الخبرة يرجعان حتّى تلك المهارب الافتراضية تصير جزءً بشكل فعليً من الحقيقة والهوية نحو المراهق. بالنهاية، ككائنات ذوات جسم تُترجَم أفكارنا إلى ممارسات عندما تتكرر بالقدر الوافي لتصير طقوس نفهم عن طريقها ذواتنا ونشكّل هوياتنا التي إنتقادّمها للآخرين.
إن نقاش أريكسون للصعوبة التي يتكبد منها المراهقون في خلق الهوية والحفاظ عليها حلقات تقرع على نحو أكثر صدقاً اليوم زيادة عن يوم كتبها، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم حضور منظومة العون الثقافي والاجتماعي الصحيح للمراهق الذكر أو الشاب البالغ. فمثلاً، الصعوبات الحتمية في الإبحار في صلات، قد لا تستحق المجهود، مع قريناته في المدرسة لا تُقارَن مع ما يتطلّب الوصول المتواصل والحر والمجهول إلى سيدات المواد الإباحية. فحين يقارن الالتزامات المترتبة من الصلات في العالم الفعلي بالتحرر من المساءلة في العالم الافتراضي، فيما هو يصارع شعور عدم الأمان في المراهقة، فلن يكون مفاجئاً للغايةً أن يفضّل عالم الإنترنت الخيالي. بالنهاية، أليس هو المسيطِر؟ من الممكن أن يكون وحيداً ولكن كحد أدنى هو يغيّر اللقطة مع كل نقرة بدون تعب يُذكَر. يستكمل أريكسون حتى إلى القول بأن الشاب غير المتأكّد من هويته يطرح ذاته في أفعال حميمية فاسقة بدون انصهار صحيح أو تخلٍ حقيقي عن الذات. ما يتبقّى هو تحوّل الشاب إلى سريع العطب في العالم الحقيقي مع السيدات الحقيقيات.
يحفزّنا عمل إريكسون على البصر في مجرى المراهقة التام وأسلوب تسميم الإباحية الجديدة لعملية الإنماء الصحية للهوية أثناءها، وخصوصا فيما يتعلق للذكور الشبان. إن الالتزامات الأيديولوجية القوية التي يلزم أن يقدمها المجتمع إلى الشبان في شكل التقاليد المتواصلة هي اليوم إما غائبة أو مفرَغة من معناها في ثقافة فردية وانفعالية عاطفياً. إن الإبحار في الخواء الناتج عِبر عالم الإباحية الذي يسبب العزلة له آثار وخيمة على الشاب المراهِق، الذي تحفزه عزلته على الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية والالتزامات الضرورية لتحسين هويته الذكورية علائقياً. يلزم علينا أن ندعو إلى ثقافة متجددة من شأنها أن تخفف من جهادات الشبان من خلال تقديم بديل لقصة “الحياة الجيدة” من حيث صلتها بالشخص الذي يُعتَقَد أنه عقلاني وإرادي وعاطفي وعلائقي في عاقبة المطاف.
تلك النظرة للطبيعة والحضارة البشريتين عكستها واحدة من مؤسسات برامج المساءلة الإلكترونية (اسمها Covenant Eyes) بدأت الشغل سنة 2000 على مبدأ أن التبدل السلوكي المرتبط بحضور الإباحيات ينتج عن المساءلة ضمن الرابطة أكثر منه من استخدام برامج الفلترة السطحية. فبدل استخدام عقلية الفلترة التي تمنع الوصول إلى المواقع الإباحية فإن المؤسسة تجعل المستخدمين مسؤولين عن تاريخهم الإلكتروني بربطهم بشركاء هم بالغلب أشخاص الأسرة أو أصدقاء مقربين بمنحهم فرصة الوصول إلى أنشطة المستعمِل على الإنترنت. فالمساءلة بدون فلترة، وفق ذلك المنطق، تتيح لنا باختيار الفضيلة بحرية وطوعياً، وبهذا تضرب جذر الإشكالية، في حين الفلترة بدون مساءلة هي بسهولة “سجن أمان” أو حلّ إسعافات أولية واهٍ بالكاد يدوم[1]. إن مؤسسات من ذلك النوع تشارك في تحديث ثقافتنا وموقعنا في تلك الثقافة لأتها تعمل على أنثروبولوجيا تحترم استقلالية الشخص ضمن النظام الأوسع للعلاقات مع الأسرة والأصدقاء والجماعات. إن مبادرات مثل تلك يمكن أن تشكل فعّالة في معاونة المبتَيسير بالإباحية وخصوصاً الذكور في عمر الشبان الذين يلتمسون الحرية والعلاقات مع الآخرين في نفس التوقيت.
أرغب هنا في أن أتوسّع في الحجج التي أوردتها سابقاً في تطمح نهائي. نحن نعيش في حضارة “إستباحية” تضغط علينا نحو كل مفصل لاختيار ملذات العصر الآنية. بالتجاوب مع تلك التجارب نخاطر بتشويه انتظام إرادتنا مع ما هو حسن وحقيقي وجميل. ما ينتمي لتلك الحضارة هو أن سلع غير فعالة لمجتمعنا وهكذا لا نُلام على خياراتنا. إلا أن الحقيقة هي أننا نتشكّل بواسطة خياراتنا التي تطبع ذواتنا والجماعات التي ننتمي إليها. الإجراء الخاطئ لا يكون شخصياً بأي حال من الأحوالً، وهذا بسهولة لأننا لسنا كائنات منعزلة، بل خلائق علائقية سعادتها منوطة بسعادة المحيطين بنا. مع أننا، إلى حاجز ما، جميعاً نتاجات الحضارة التي نعيش فيها سوى إننا، كل منا بمفرده، مسؤولون عن خياراتنا. وهنا تأتي البركة المعطاة للإنسان: مع أننا قد نقوم بخيارات خاطئة، لكننا لا نُحرَم من قوتنا البشرية أي من قدرتنا بالنعمة على أن نختار النور المضيء في الظلمة.
يمكنك قرأه مقال موضوع الخلاص لماذا يعجز الملاحدة ؟؟
* أوكتافيا راتيو هي اختصاصية في علم السيكولوجي العيادي في معهد العلوم النفسية في أرلنغتون فرجينيا. هي من القلائل بين أصحاب ذلك الاختصاص الذين يؤمنون ويدافعون عن وجوب ممارسة علم السيكولوجي في محيط إيماني من العاملين على تعديل فلسفة صالحة للمعالجة النفسية بسياق لاهوتي.
[1] هنا يجيء دور الممارسة المستندة إلى الإيمان. نستطيع القول بأن الحلّ الذي تقدمه تلك المؤسسة يحاول أن المحور الأفقي للإنسان حيث يشارك أحباؤه في حمايته ونموه وقداسته، في حين الشغل على المحور العامودي يكمّل تلك الدفاع والإنماء والتقديس وهذا بأن يلتجئ المسلم إلى التوبة والاعتراف والاسترشاد الروحي على نحو يجعل عملية الحراسة أكثر كمالاً بما ينعكس كمالاً في الفرد ذاته.
قد يشاهد بعض الملتزمين في أن الخطاب عن وسائل معرفة-نفسية أو تكنولوجية غريب
عن التقليد. إن في تلك النظرة تجميد للتقليد وبذلك تغريب له عن طبيعته التي تحضن
العالم فرويد |
الإنسان في أي ظرف أو حضارة أو زمان لحمل إليه صورة الإسلام الوسط بالوسائل
والمفاهيم التي يسهل عليه استيعابها بلا أن تمسّ جوهرها. فبعض الملتزمين يشاهدون
في رابطة الطب السيكولوجي بالإيمان صراعاً. إلا أن موقفهم ليس في الواقع سوى ردّة
إجراء على التمزيق الذي مارسته المدرسة الفرويدية في النفس البشرية كمادة للدراسة.
الجلي اليوم أن هناك رجوع هامة في حقل الطب السيكولوجي العيادي إلى التعاطي مع
النفس البشرية كمكون أحد عناصر الفرد الإنساني، وينبغي بالدعاة و المفكرين (أو
جماعات الإيمان ككل) أن تلاقيها لتضعها في موضعها السليم. تلك الرجوع تتجلّى في
التخلّي المتنامي عن وسائل الفحص السيكولوجي الفرويدي والتوجّه صوب طرق
وطرائق أكثر إنسانية واستناداً إلى الإيمان كالعلاج الإدراكي وغيرها
المصدر كويك تك